الأرض الفلسطينية هي الهدف الرئيسي للحركة الصهيونية منذ نشأتها
الكاتب: د. عبد الله موسى أبو عيد
الأرض الفلسطينية كانت هدف الحركة الصهيونية الأساسي، منذ بدء نشاطاتها قبل أكثر من مائة عام، لذلك أسست الوكالة اليهودية الصندوق القومي (كيرن كييمت) ومن بعده الصندوق القومي في اسرائيل (كيرن هيسود)، وأهدافها الرئيسية جميعها التعاون في الحصول على الأراضي الفلسطينية بوسائل متعددة، ليشكل مجموع ما يحصلون عليه من أراض الإقليم المؤسس لدولتهم التي خططوا لإقامتها على أرض فلسطين، على مراحل تكتيكية، تصب جميعها في استراتيجية موحدة متفق عليها، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم، في بعض الأحيان، حول بعض تفاصيل التكتيك.
لقد بدأ أوائل المهاجرين الجدد بمحاولة شراء، ولو قطعة صغيرة من الأرض للإقامة عليها وبدء نشاطاتهم، وذلك منذ بدء الهجرات الفردية من بعض المتدينين اليهود، كجماعة البيلو وأحباء صهيون، منذ عام 1882، حيث استقر معظمهم في شمالي فلسطين في المنطقة القريبة من بحيرة الحولة. أما بعد إنشاء الحركة الصهيونية السياسية، أي في عام 1897، بعد عقد مؤتمرهم الأول في بازل بسويسرا، فقد بدأت الحركة الصهيونية في وضع استراتيجية موسعة وشاملة حيث أنشأت بعض أهم المؤسسات الرئيسية المشار إليها أعلاه، وكانت أهدافها تتمثل في وجوب العمل النشيط على أمرين أساسيين هما: الحصول على الأرض في فلسطين والعمل على تهجير آلاف اليهود إليها لامتلاكها وفلاحتها دون حق، أو امكانية بيعها أو بيع أي جزء منها للأغيار.
بعد إنشاء عصبة الأمم وسيطرة كل من بريطانيا وفرنسا على مفاصلها الرئيسية، نشطت قيادة الحركة، بزعامة الدكتور حاييم وايزمان، في الضغط على كلا الدولتين الاستعماريتين المذكورتين أعلاه، كي يوضع في صك الانتداب على فلسطين، الصادر عن عصبة الأمم عام 1922، نصوصاً تتعلق بالأرض الفلسطينية، حيث نص صك الانتداب هذا على وجوب قيام سلطة الانتداب البريطانية على منح مؤسسات الحركة الصهيونية بعض أراضي الدولة (الأراضي العامة) وبعض الأراض البور لاستصلاحها. وقد أنشأت الحركة الصهيونية بعد اتفاقها مع بريطانيا، عدة مؤسسات لهذا الغرض وعلى رأسها الصندوق القومي اليهودي لفلسطين (كيرن هيسود)، المشار إليه أعلاه، وكانت قد أسست قبل ذلك وقبل صدور صك الانتداب على فلسطين، البنك الانجلو – فلسطيني)، لهدف شراء الأراضي، واعطاء الفلاحين قروضاً بسخاء، بهدف خبيث تم تحقيقه وفقاً لما هدفوا إليه، وهو أن عدداً كبيراً من صغار ملاك الأراضي الفلسطينية الحاصلين على قروض من ذلك البنك، كانوا يعجزون عن دفع القروض إلى البنك مما أدى إلى قيام إدارة البنك للحجز على أراضيهم وبيعها، ولم يكن أحد يستطيع شراءها سوى المؤسسات اليهودية، أو البنك نفسه، بالإضافة إلى حالات قليلة كان بعض الاقطاعيين الفلسطينيين يشترونها، إلا أن بعضهم كان يعيد بيعها للمؤسسات الصهيونية مقابل ربح محترم.
وضع الأراضي الفلسطينية بعد اعلان الدولة العبرية:
ما ذكر أعلاه ينطبق على أوضاع الأراضي في فلسطين قبل اعلان الدولة العبرية عام 1948، أما بعد اعلان الدولة فقد اتخذت السلطات في الدولة العديد من الاجراءات لمصادرة الأراضي التي ظلت مملوكة لأبناء الشعب الفلسطيني، إذ أصدرت ترسانة من القوانين العنصرية للاستيلاء عليها بوسائل متعددة. فأصدرت، لهذا الغرض، أهم القوانين ذات العلاقة، وعلى رأسها قانون أملاك الغائبين الصادر عام 1952 وعدداً آخر من القوانين. كما نصت بعض القوانين على منع بيع أية أرض لأي شخص غير يهودي، أو لأية مؤسسة غير مملوكة للدولة.
نشأ عن ذلك، خلال أقل من عشرين عاماً، أن استولت المؤسسات الصهيونية على الغالبية العظمى من الأراضي المملوكة للعرب، حيث لم تبقى أراضٍ مملوكة للعرب الفلسطينيين سوى أقل من 3% من الاراضي بعد انشاء الدولة العبرية. بينما تشير وثائق دائرة الاحصاء خلال الانتداب البريطاني عام 1947 إلى أن المواطنين العرب كانوا يملكون أكثر من 94% من الأراضي التي أنشئت عليها الدولة العبرية، أي الاراضي داخل الخط الأخضر.
وتجدر الاشارة هنا، إلى أن السلطات الصهيونية، لم تكتفي بما استولت عليه من أراضي كانت ضمن خطة التقسيم لسنة 1947 من المفروض أن تكون تابعة للدولة الفلسطينية المقترحة في قرار التقسيم، بل استمرت في ازاحة سياج الحدود نحو الأراضي التي خضعت لسيطرة الدولة الأردنية، خاصة في المناطق الحساسة، وعلى رأسها الأراضي المحيطة بالقدس، مثل أراضي قرى صور باهر وأبو ديس وحزما والولجة وغيرها من القرى المجاورة. وذلك مؤشر كبير على نهم السلطات الصهيونية الشديد لامتلاك المزيد من الأراضي الفلسطينية، هادفة من ذلك إلى هدفين أساسيين هما:
1- زيادة مساحة الدولة العبرية.
2- تجريد الفلسطينيين من أية أراضٍ يمكن بواسطتها انشاء دولة فلسطينية في المستقبل.
وضع الأراضي الفلسطينية بعد احتلال عام 1967:
لعل أخطر الهجمات الشرسة على الأرض الفلسطينية هي تلك التي تمت بعد عدوان 1967 واحتلال باقي أراضي فلسطين التاريخية حيث أعلنت السلطات الاسرائيلية سلسلة من القوانين الهادفة للاستيلاء على أكبر مساحات من الأراضي الفلسطينية. حيث نشطت الكنيست، خاصة بعد سيطرت الليكود على الحكم في الدولة عام 1977، في سن القوانين الهادفة للاستيلاء، بوسائل مختلفة، على هذه الأراضي، حيث توقفت بعض المنظمات الصهيونية المتخصصة من شراء الاراضي، واعتمدت في سيطرتها عليها على تلك القوانين المجحفة والتي تتسم بالعنصرية، ويجدر بنا الاشارة هنا إلى ما قاله رئيس الوزراء المتطرف مناحيم بيغن عام 1975 في هذا الصدد، حيث قال معلقاً على شراء الأراضي من العرب: وهل يشتري الإنسان أرضه؟ هذه أرضنا عدنا إليها!!
ولذلك تفنن بعض المسؤولين الاسرائيليين في اختراع وسائل جديدة للسيطرة على الأراضِ والأملاك العربية مثل تزوير معاملات شراء الأرض، إذ بلغ الأمر في بعض المناطق إلى اخراج أحد الموتى من مالكي قطعة أرض من قبره ووضع بصمته على وثيقة بيع مزورة، والاستيلاء على تلك الأرض بحجة شرائها.
كما أصدرت لئيا البيك وكيل النيابة في القضايا الادارية، عام 1978 أمراً باعتبار كافة الأراضي خارج قصبات المدن والبلدات الفلسطينية بأنها أراضي دولة، أي أنه يحق للدولة الاستيلاء عليها والتصرف بها. وبذلك اصبحت أكثر من 50% من الأراضي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة تحت تصرف سلطات الاحتلال ومما يجدر ذكره هنا أن القانون الدولي الانساني ممثلاً بأنظمة لاهاي لعام 1907 يحرم على سلطات الاحتلال الاستيلاء على أية أراضٍ أو أملاك في الإقليم المحتل، حتى ولو كانت مملوكة للدولة، أي أراضي عامة، ويسمح لتلك السلطات وفقاً للمواد 53-55 من تلك الأنظمة باستغلال تلك الأملاك والأعيان العامة مؤقتاً لأغراض عسكرية فقط، شريطة عدم استهلاكها كلياً أو تغيير طابعها، بل استغلالها مؤقتاً ومن ثم اعادتها للدولة المالكة لها بعد زوال الاحتلال.
الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو:
استغلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعض نصوص أوسلو، وخاصةً تلك التي نصت على تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة أقسام، أي (أ، ب، جـ) وشرعنت احتلالها لها خاصةً لأراضي المنطقة (جـ)، والتي تشمل أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية. وبناءً عليه اعتبرت أنه من حقها التصرف بها تصرف المالك بملكه، لذلك زادت من وتيرة استيطانها لها وللكثير من أراضي المنطقة (ب) أيضاً، وأقامت عشرات المستوطنات الجديدة كما شقت عشرات الطرق السريعة هادفة من ذلك حرمان الفلسطينيين من أملاكهم، وخاصةً من مئات آلاف الدونمات الزراعية، بقصد افقار المزارعين وتجريدهم من أملاكهم ومصادر عيشهم، من ناحية، ومن ناحية أخرى حرمان الشعب الفلسطيني من انشاء أية دولة فلسطينية مستقبلاً.
ويجدر الاشارة هنا إلى أن معاهدة جنيف الرابعة، تنص في مادتها رقم (47) على بطلان هكذا نصوص لأية اتفاقية تسمح لسلطة الاحتلال بحرمان الشعب الخاضع للاحتلال من أي من حقوقه الأساسية الواردة في المعاهدة مثل حقه بتقرير مصيره. وتعتبر هكذا اتفاقية باطلة بطلاناً مطلقاً.
لكل هذه الاسباب فإن اسرائيل تريد، من كل إجراءاتها المشار إليها، حرمان الشعب الفلسطيني من امكانية البقاء في وطنه والعمل، بهدوء وثبات، وبإجراءات متدرجة وعلى المدى البعيد، على طرده من وطنه بأساليب هادئة أطلق عليها البعض تعبير (الطرد الهادئ)، بالإضافة إلى حرمان الشعب الفلسطيني من أية امكانية مستقبلية لإنشاء أية دولة مهما كانت هزيلة وصغيرة وضعيفة.