الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:33 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:20 PM
العشاء 8:41 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

في ضوء أزمة جامعة بيرزيت.. اضراب مستمر منذ أعوام

الكاتب: عدي أبو كرش

ينشغل المجتمع الفلسطيني اليوم بأزمة مطلبية جديدة في جامعة بيرزيت، وقد شغلت هذه الازمة العديد من النخب، والفاعلين في المجتمع الفلسطيني، ويحتشد المبادرون من كل حدب وصوب - الى حد اصطدام المبادرة بالمبادرة- لرأب الصدع بين إدارة الجامعة، ونقابة العاملين فيها، وينطلق كل المبادرين كما جرت العادة في مثيلاتها من الازمات من النظر الى المضامير الخاصة بكل أزمة في سباقهم نحو تطوير مبادراتهم التوفيقية.

ولعلني هنا لا اسعى الى التركيز على أزمة بيرزيت المطلبية كحالة منزوعة السياق الاجتماعي، والاقتصادي، او كحالة منفردة يعيشها المجتمع الفلسطيني، بقدر رغبتي في النظر اليها كحلقة جديدة في سلسلة من الحركات المطلبية التي لم ينفك المجتمع الفلسطيني عن معايشها منذ سنين ولعلني لا أبالغ ان قلت بأن هذه السلسلة تسيدت المشهد السياسي والاجتماعي ولم تنقطع منذ اضراب اتحاد المعلمين  الكبير.

 فقد شهد المجتمع الفلسطيني في العام 2016، الى جانب اضراب المعلمين الكبير، اضراب لنقابة الأطباء على خلفية تدخل عناصر أمنية في عمل مستشفيات قطاع غزة، واضرابين في كل من جامعة بير زيت وجامعة بيت لحم، وقد استمرت فترات التعطل بين جزئي وكلي لما يقارب خمسة وسبعون يوماً.

وفي العام 2017، شهدت فلسطين إضرابات داخلية بوتيرة أقل، تلخصت في اضراب لنقابة المحامين على خلفية اعتداء عنصر من أجهزة الأمن على أحد المحامين، واخر لنقابة الأطباء، بشأن علاوة طبيعة المهمة، وتصعيد لنقابة اساتذة الجامعات لعدة أيام اضراب. ولعل أهم ما انطوى عليه هذا العام هو اضراب الكرامة للأسرى، والذي لاقى حركات اسناد ونشاط تضامني واسع من كافة النقابات، والذي احتل مركز الحدث الفلسطيني لأكثر من أربعين يوماً.

وقد انخفض حجم أيام الاضراب في العام 2018 بشكل ملحوظ، غير أن هذا العام شهد تنوع أعلى في النشاطات المطلبية فقد شهد هذا العام اضراب لنقابة الصيادلة الى جانب الاتحادات الطلابية ونقابتي المحامين والأطباء، واتحاد نقابات الأساتذة واتحادات الطلبية، وقد سجل هذا العام ما يقارب من 28 يوم، قطاعي بين جزئي وكلي، الى جانب عدد موسع من أيام الاضراب في القطاع الخاص، والأهلي، والعام بشأن قانون الضمان الاجتماعي.

وعادت الإضرابات القطاعية لتسجل ارقاماً متقدمة كان للجامعات، واتحادات الطلبة، وشركات القطاع الخاص نصيب الأسد فيها، لتسجل أكثر70 يوم تعطل، مع استمرار الاحتجاجات المطالبة بوقف قانون الضمان الاجتماعي.

وعلى الرغم من قساوة الظرف الذي عايشته فلسطين في غضون جائحة كورونا في العام 2020، الا أن مشهدها الاجتماعي- والسياسي، لم يخفي عدد لا بأس به من أيام الاضراب لنقابة المحامين، والأطباء، واتحاد المعلمين، وقد شهد أيضاً هذا العام إضرابات تضامنية من بعض النقابات مع بعضها الاخر.

وقد عاودت الأرقام تصاعدها، في العام 2021، وقد تطورت ارتباطاتها لتشكل أحد أدوات الاحتجاج على تراجع السلم الأهلي، والقصور الذي اعترى سيادة القانون خاصة في مدينة الخليل، وقد استعادت الحركات الطلابية سيادة مشهد الاضرابات في هذا العام.

وأخيراً فقد شهد العام 2022 أوسع نشاط نقابي منذ بداية الرصد منذ العام 2016، فقد شهد هذا العام اضرباً واسعا اخر لاتحاد المعلمين، تلاه احتجاج مطلبي أوسع فيما عرف باضراب حراك المعليمين، واضراب اخر لنقابة المهندسين، ونقابة الأطباء، ونقابة السائقين في بعض المحافظات، وبعض النقابات في الجامعات، ونقابة المحامين، فيما تربعت جامعة بيرزيت باضرابين كبيرين على أعلى حالات اضراب عبر الأعوام الستة المنصرمة، ففيما امتد اضراب طلابها الأول لما يزيد على ثلاثين يوماً، لا زال اضراب نقابة عامليها المستمر حتى اليوم على مشارف اسبوعها الرابع. وقد بلغت عدد أيام التعطل القطاعي حوالي 250 يوماً. وقد شهد هذا العام عودة لاضرابات تضامنية بين عدد من النقابات.

ويوضح الشكل التالي، سلوك النشاطات المطلبية التي أفضت الى إضرابات فعليه اما جزئية أو كلية، وان الأيام التي يوضحها هذا الشكل تشكل أيام الاضراب الفعلية ويستثنى منها أي حالات تحضير، او انخراط في اعمال مطلبية غير مفضية لإضرابات.

وعلى الرغم من أن هذه الحركات المطلبية قد تبدو منفصلة وغير مترابطة، ومتفاوتة التأثير على المجتمع فمنها ما انحصرت اثاره على مؤسسة بعينها، فيما طال أثر الاخريات المجتمع بكليته، الا أن الجزم بأن التوجهات المحفزة لتلك المطالب منابعها متشابهة، فيما يطلق عليه العارفين اللاوعي الجمعي الناظم لسلوك الافراد والجماعات اتجاه هياكلهم النظامية.

ولا أدل على تلك الحالة بأن موجات العمل النقابي أذكت بعضها الاخر، فلا يطول الانتظار عقب اختفاء اثار اقدام احداها، الا باطلالة رأس الأخرى، وعلى خلاف طبيعة التنظيم النقابي الذي من المفترض أنه مهمة حراسة لمصالح منتسبيه، واعضائه، فقد شهدنا دخول بعض الاتحادات والنقابات معتركات لم يكن فيها مصالح مباشرة لاعضاء هيئاتها العامة،  إما تضامناً مع اتحادات أو نقابات أخرى واسناداً لها، أو تعبيراً عن هم الشارع، وهنا لا أنكر حق تلك النقابات في أخذ زمام المبادرة في ظل ما ينتاب التمثيل من مثالب، بل على عكس ذلك فان النضالات المطلبية تلك- برأيي- مثلت صادقة في عديد الأوقات نبض الشارع.

وبرغم عدم تواني المبادرون في كل مرة عن محاولة رأب الصدع بين المتقابلين في كل قضية مطلبية، الا أنه ليس من المفترض المفترض بالمبادرين اخذ زمام تلك المبادرات لتهيئة مناخ لعلاج القضايا المطلبية قبل نشوئها، ويعد هذا اشتقاق تلقائي لطبيعة تدخلهم، غير أن ذلك لا يجب أن ينسحب على صناع القرار والسياسات العامة، الذين من المفترض أن تتعدى الأدوار التي ادخروا من أجلها تحليلاً أعمق لأسباب تلك الأزمات المطلبية، وطبائعها ودوافعها لإيجاد ما يلزم من حلول بشأنها، وان انتزاع الازمات من سياقاتها، أبعد ما يجب على صانع القرار اللجوء اليه، وان علاج كل قضية على بوصفها قضية منفردة إمكانية الحدوث سوف يحوله لعدّاء بين كل هذه الحالات.

 ان هذا الحجم من الحركات المطلبية وكثافتها وتصدرها المشهد الفلسطيني رغم كل ما يعانيه المجتمع تحت وطأة الاحتلال وظروف الجائحة، وشظف عيش كثيراً من طبقاته يشي بمجموعة متكاملة من التساؤلات والوساوس ولعل أهمها الى أي حد تحتمل رواسي المكون العام الاحتكاك دون تآكلها، وعند أي منسوب ثقة تعمل منبهاتنا، وما دامت تحل اشكالياتنا بالقطعة فالى أي حد يستطيع العدَاء الركض بينها؟

ان ما يحدث وعلى رغم ما قد يبدو عليه من وعد بسعة ورحابة في العمل النقابي "الديمقراطي" الا أن كل حالة تنطوي على ما تنطويه من توجهات اقصائية، ورشح الى اذان كل منا ما انطوت عليه من سوء توقيت، واستسهال التعطيل، والعمل المناهض، واخريات من الاتهامات التي طالت أجندة العمل، وحزبيته، وفئويته، وكل هذا يؤسس الى عداءات ليس بالسهل تجاوزها.

ان الحالة الصدامية القائمة تستوجب مراجعة معمقة في مختلف مستويات الدولة، وتستوجب حلولاً جذرية في ظني أن بالإمكان صنعها،  وفي تقديري أن تكلفة التعطل بهذا الحجم تطال مستقبل الدولة السيدة، وكذا مستقبل اينائها وقدرتهم على الوصول الى خدمات التعليم، والصحة، والعدالة، وان أكثر المتضررين منها الفئات الفقيرة، والهشة.  

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...