في اليوم السابع للإضراب، بحرٌ في الزنزانة!
الكاتب: طارق عسراوي
بقي كل واحد منهم مستلقياً في فرشته بعد طابور التفتيش الصباحي، وفي الغرفة ما زال أثر الأمس حاضراً، كلٌ منهم يستحضر في ذاكرته ما يعين روحه ويصقلها، وصمتٌ عميق يطبق على الزنزانة.
إنه يومٌ للأغاني قال أحدهم كاسرا زجاج الصمت، قالها وهو يذيب حفنة ملح في فمه، وبعفوية ساحرة عقَّب: الملح كتير مالح! ومع تجاعيد وجهه ضحك آخر.
يضع زجاجة الماء أرضاً وهو يتمتم بشرود: مَيّ وملح يعني بحر !
وراحوا يغنّون للبحر؛ تعويذة هجرة الفلسطيني وعودته.
ماذا يعني اليوم السابع للإضراب ؟
يعني أن السبت أطول أيام الأسبوع وأكثرها رتابة، حيث يكون القاتل باستراحته الأسبوعية والعيادة مغلقة، وحيث تهدأ حركة السجانين الدؤوبة.
يعني أن يقتصد الأسرى في استهلاك الملح المتبقي بعد حملات التفتيش.
يعني أن يكسر أحدهم رتابة الوقت وثقله بأغنية، يلتفون حولها بأصواتهم المشروخة والمنهكة، فيخرج صوتهم من داخل الزنزانة مثل هدير البحر، جائعاً، عالياً، صاخباً ومؤمناً بتعويذة النوارس واقتراب اليابسة.
يعني أيضاً أن نُنشد أسماءهم إلى أن يعودوا، أن نحفظَ لهم البحر في القصائد، ونُغنّي:
" مي وملح يعني بحر .. من جوا زنزانة هَدَر
يعني صبر عالجوع .. حتى الشمس تطلع
والعالم المخدوع .. صوت العدل يسمع
مي وملح يعني بحر
يعني أسير مكبَّل بليل الأسر
وإمّه بأمل، تنطر عشباك الفجر
تحمل صُوَر وورود .. تبكي مطر ورعود
حتّى البطل يرجع
مي وملح يعني بحر
يعني مراكب راجعه من بعيد
جاي من خيوط الشمس تلمع بصبح جديد
ولو سكّروا بواب الحديد
قيد السجن ننزع
مي وملح يعني بحر .. من جوا زنزانة هَدَر "
