قرية بتير الأثرية شامخة باعتراف منظمة الأمم المتحدة

2022-05-18 11:34:29

إلى الغرب من محافظة بيت لحم، وعلى مشارف القدس تقف قرية بتير الأثرية شامخة باعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، حيث تعيدنا بتير ضمن "مسار فلسطين التراثي" إلى فلسطين ما قبل النكبة بحضارتها وطبيعتها الخلابة وإرثها الطبيعي، في مسار سياحي يتحدى الاستعمار والاستيطان.

وتبلغ المساحة العمرانية لقرية بتير حوالي 420 دونما ويقطنها 7 آلاف نسمة، حيث يبلغ مسطح نفوذها 12 ألف دونم بغالبيتها العظمى تقع غرب سكة الحديد، إذ يحظر على أصحابها دخولها واستعمالها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وسعيا منها لمحاصرة بتير، قامت السلطات الإسرائيلية بتحريش مسطحات واسعة من الأراضي تمهيدا لمصادرتها، ووضع اليد عليها في سياق مخطط السياحة الاستيطانية بين محافظتي بيت لحم والقدس لمواجهة مشاريع "مسار فلسطين التراثي".

لكن، عادت بتير لتنتصر لفلسطين بالعام 2014 بتسجيلها أول مسار سياحي فلسطيني مسجل على قائمة السياحة العالمية، لتجذب الأنظار إليها باستضافة الآلاف من السياح المحليين وحتى الأجانب شهريا، حيث تتلاءم المسارات والاستكشافات السياحية بين الجبال للنشء والأجيال الشابة.

وعلى مدار 3 إلى 4 ساعات، يتنقل السياح بين أحضان طبيعتها الخلابة، بأشجارها ونباتاتها وتضاريسها الجبلية دائمة الخضرة بفضل المدرجات المائية، وينابيع المياه والمدرجات الزراعية الأثرية التي تزينها المعالم التاريخية والأثرية، التي تتميز بها الحضارة الفلسطينية الكنعانية.

تراث وحضارة

على طول قرابة 5 ونصف كيلو متر، تنطلق الوفود السياحية من وادي المخرور لتكتشف التراث والحضارة والتاريخ الذي عايشته بتير على مر العصور وما زالت إلى الآن تحافظ عليه رغم تضييقات الاحتلال ومخططاته الاستيطانية، إذ يعود تاريخ القرية إلى العصور البرونزية والحديدية والرومانية والبيزنطية والكنعانية والإسلامية لتحط في فلسطين.

ويضم المسار السياحي أنظمة بيئية وطبيعية متعددة، ويحتوي على بعض الآثار الرومانية، المقابر، القلاع والكهوف، التي تعتبر من الكنوز الأثرية والتاريخية لتزينها الحقول المتدرجة التي أطفت على المكان لوحات تشكيلة طبيعية تتصل فيما بينها، بالمنازل والمباني القديمة وسكة الحجاز بمسارها عند سكة حديد يافا- القدس التي بنيت بالعام 1905، وما زالت إلى الآن تنبض بالحياة.

خلال التجوال في قرية بتير التي عرفت قديما بـ"حديقة الخضروات"، يتنقل المتجولون بين جبالها وصخورها التي تتفجر منها 8 ينابيع مياه، أبرزها "عين البلد"، "عين أبو الحارث" و"عين بردمون"، التي تنصب نحو مصاطب وبسطات زراعية تاريخية، تشرف عليها 8 عائلات تتقاسم المياه للري وفق حصص محددة يوميا.

ينابيع ومدرجات

إلى جانب ينابيع المياه والقنوات الكنعانية، توجد مدرجات رومانية تنقل المتجولين والسياحة من مكان إلى آخر بدون كلل أو ملل، ودون الشعور بالإرهاق والتعب من التجوال.

وتروي الينابيع المزروعات التي تزين المدرجات الرومانية التي حولتها معاول الفلاحين وعائلات بتير إلى جنة خضراء بأشجار الزيتون والمشمش واللوزيات والباذنجان البتيري، إذ يتم ري المزروعات في بسطات تاريخية ونظام قديم يعود للعهد الروماني.

وقبالة سكة القطار يتربع على تلة القرية المتحف البيئي في بتير الذي أسس لمتحف من نوع آخر ""متحفنا تحت السماء وليس تحت سقف" لكونه غير مسقوف ويمنح للزوار والسياح الفرصة لاستكشاف طبيعة القرية والمناطق المجاورة.

ويوفر المتحف للزائرين رحلات ونزهات في الوديان التي تمتد من وادي المخرور إلى قرية حوسان، لاستكشاف المدرجات الزراعية، الينابيع، الخرب، معاصر الزيتون، الآثار والمعالم الفلسطينية الطبيعية والثقافية والتراثية.

معالم ومناطق

شكلت بتير رافعة للسياحة البيئية والتنمية في قرى الريف الغربي في محافظة بيت لحم، كنموذج للمناطق الريفية الفلسطينية التي تصلح لتطويرها كمناطق سياحية التي تجذب إليها عشاق الطبيعة والبيئة والنبات والحيوان، وما يصاحبها من معالم ثقافية وتراثية وحضارية وتاريخية.

وفي البلدة القديمة في بتير تتلاصق مجموعة من البيوت القديمة لتشكل حارة "السبع أرامل" التي تعبر عن المرأة البتيرية المعروفة بعزمها وإصرارها، وتوثق حياة ومسيرة ونضال أرامل سبعة من القرية، كان من الصعب عليهن فقدان أزواجهن ومواجهة التحديات الاجتماعية، إلا إنهن تمكن من المكافحة والصمود والعطاء والعمل الجاد، وأطلق المسمى على الحارة تكريما لهؤلاء النساء.

إلى جانب المسار السياحي، فمن يرغب في قضاء ليلة في بتير يمكنه التوجه إلى "بيت الضياف"، وهو عبارة عن غرف فندقية صغيرة تجمع ما بين الطراز المعماري القديم والطبيعة لاستقبال السياح، كجزء من المشاريع سياحي لإنعاش الوضع الاقتصادي بالقرية، إذ يتميز "بيت الضيافة" بأطباق المأكولات والمشروبات الفلسطينية التراثية التقليدية.

تحديات ومعيقات

تتنقل عبر مسار وادي المخرور بين محطات التاريخ والتراث ومشاهد الطبيعة التي أخذت تغزوها ملامح ومحطات السياحة الاستيطانية التي تضع قرى بتير، حوسان، نحالين، وادي فوكين، الولجة، بيت جالا والخضر في محط أطماعها، بحسب ما سرد لـ"عرب 48"، الناشط في مناهضة الجدار والاستيطان، رامي حمامرة، وهو من سكان بلدة حوسان.

وبالنظر لأهمية المسار السياحي وما يمثله من وجه جديدة من أشكال السياحة البديلة الناشئة والتدعيم الاقتصادي لسكان الريف في محافظة بيت لحم، قال مخامرة "إلا أنه يلعب دورا رئيسيا في إعادة تفعيل وإحياء المناطق الطبيعية، وأيضا المحافظة على الأراضي الزراعية الفلسطينية من الاطماع الاستيطانية التي تستهدف المنطقة".

وأوضح أن "المسار السياحي ومسطحات الأراضي في المنطقة التي تبعد حوالي 8 كيلومتر عن القدس، يستهدفها الاحتلال من خلال التخطيط لمسارات سياحية استيطانية، وإقامة منطقة صناعية على سفوح الجبل".

وعن أبرز التحديات والمعيقات أمام تطوير السياحة في الريف الفلسطيني الغربي، استذكر مخامرة، مخطط الجدار الذي تم الغاؤه بالعام 2015 بقرار من المحكمة العليا للاحتلال بعد ضغوطات من منظمة "اليونسكو"، كون الجدار سيصادر 3500 دونم، وسيدمر المدرجات الرومانية ونظام الري القديم التي تعود إلى أكثر من 2500 سنة ماضية.

السياحة والاستيطان

ولمواجهة الأطماع الاستيطانية، تواصل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أعمال توسيع المسار السياحي في ريف بيت لحم، ذكر الدليل السياحي بمنطقة بتير، زيد أزهري "تتواصل الأعمال على توسعة طول المسار السياحي ليصل إلى 35 كيلو مترا ليضم بذلك العديد من القرى والمواقع الأثرية والمناطق المهددة بالمصادرة وبالاستيطان الموجودة في محافظة بيت لحم".

وسرد الدليل السياحي لـ"عرب 48" التحديات التي تواجه المسار السياحي في منطقة بتير، قائلا إن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبعد أن فشلت بتمرير جدار الفصل العنصري من أراضي القرية، تخطط لوضع اليد على الأراضي عبر مشروع السياحة اليهودية للمنطقة وتوسيع دائرة السياحة الاستيطانية لتحاصر الأراضي الزراعية في بتير".

وحذر من تداعيات التوغل الاستيطاني في المنطقة التي تتواجد بالمنطقة (ج)، تتبع إداريا وأمنيا لسلطات الاحتلال التي تحرك مشاريع مختلفة من ضمنها سياحة استيطانية، تحريش الأراضي بذريعة الحفاظ على الطبيعة، توسعة الطرقات وشبكة الطرقات الاستيطانية، حيث تمتد الأراضي المصادرة من أراضي الخضر الغربية عبر شارع 60 الالتفافي باتجاه قرية بتير".

تنمية وتواصل

وأضاف الدليل السياحي أن "سلطات الاحتلال تسابق الزمن من أجل مصادرة الأراضي المحاذية لشارع 60 الالتفافي في كل من بيت جالا والخضر وارطاس والتوسع الاستيطاني في المنطقة ضمن مخطط ’القدس الكبرى’، حيث تدفع باليهود لاقتحام بتير من خلال السياحة الاستيطانية وجدار الفصل العنصري الذي سيسلخ 93 ألف دونم عن محافظة بيت لحم والريف الغربي".

ويولي أزهري أهمية بالغة لتدعيم السياحة الريفية في محافظة بيت لحم لمواجهة الأطماع الاستيطانية وإحباط مشروع السياحة الاستيطانية حول بتير وحوسان، مشيدا بمسار فلسطين التراثي الممتد من قرية رمانة قضاء جنين إلى بيت مرسم قضاء الخليل، على طول 330 كيلومترا، ويعبر 53 بلدة وقرية فلسطينية.

وشدد على "ضرورة وأهمية مشروع مسار فلسطين التراثي، ودوره في التنمية الثقافية والتنمية الاقتصادية، وتشجيع السياحة الريفية البديلة، ودعم المجتمعات الريفية عبر إنشاء اقتصاد مجتمعي متكامل، والأهم الحفاظ على الأرض من الاستيطان من خلال تكثيف مشاريع السياحة الداخلية والتواصل مع الوطن".