العنوان بين بورقيبة وياسر عرفات

2022-09-20 09:24:25

دومًا في المحاضرات أو الأحاديث إن لم تستطع أن تثير الجمهور من البداية فأنت في حِلّ من التأثير. لذلك آثرت أن أعرض الحديث عن الثقافة التونسية وتأثر روّادها من خلال ما أسميته الإطلالة الأولى ثم الإطلالة القريبة، فالاطلالة العميقة وأمزج بين شخصي ومشاعري وأفكاري تفاعلًا مع ذات الثقافة المقصودة وبطريقة سلِسة أريد ان استمتع بها أنا شخصيًا قبل الآخرين.
ولكن تظل البداية أو الافتتاحية تؤرقني حتى اللحظة الأخيرة الى أن قرأت حدثًا في ظل قراءات كثيرة حول الموضوع لطوق النجاة الذي ألقاه الحبيب بورقيبة للرئيس عرفات الذي كان ينتظر دولة تستقبل القيادة الفلسطينية فجاءت الرسالة التونسية محملّة بملايين خمسة ودعوة لإقامة القيادة في تونس ما أعفى الأخ أبوعمار من استئجار جزيرة يونانية الى أن يقضي الله امرًا كان مفعولًا وأعفاه من التشتت الذهني بين رفضه المطلق للوقوع بين أنياب الأسد.
كانت البداية إذن في العام 1982 وبعد انتهاء المفاوضات للخروج من بيروت بين الزعيم أبوعمار ومكلفيه اللواء سعد صايل "أبوالوليد" وهاني الحسن في مقابل المبعوث الامريكي فيليب حبيب. 
إذن هكذا كانت البداية أو الافتتاحية للمحاضرة، لمحاضرتي ونقلًا عن الكاتب سعيد الشحات وباقتضاب وتنقيح وبأسلوبي: فى كتابه «ياسر عرفات»، «دار الريس - بيروت» يتذكر بسام أبو شريف، مستشار عرفات، وأحد القيادات التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "حاول عرفات أن يقنع أعضاء القيادة الفلسطينية بالخروج معه، وعدم التوجه إلى دمشق حتى تكون الرسالة واضحة لكنه لم ينجح فى إقناع القيادات اليسارية أو قادة يسار فتح بالخروج معه، وقبل ثلاثة أيام من مغادرتنا بيروت إلى طرطوس بسوريا عقد المكتب السياسى للجبهة الشعبية اجتماعًا طارئًا لبحث الترتيبات النهائية للخروج إلى سوريا، وترأس الاجتماع الدكتور جورج حبش «الحكيم» الأمين العام للجبهة".
 يضيف «أبوشريف»: «بينما نحن منهمكون فى مناقشة الترتيبات، إذا بياسر عرفات يرافقه عدد من المسلحين يدخل قائلًا وهو يضحك: «كبسَة، كبستكم، على من تتآمرون؟.. كان يضج بالحيوية ويمازح ويضحك وهرع نحو الحكيم ليعانقه، وجلس قائلًا:«اعتبرونى عضو مكتب سياسى عندكم، لنكمل الحديث».. ضحك الجميع، وأطرق قليلًا وهو يهزّ ساقه ثم رفع رأسه، وقال: اسمحوا لى أن أقول كلمة قبل أن أترككم تتابعون عملكم: رغم ضآلة إمكانياتنا هزمنا "شارون" وحدنا عارفين يعنى إيه وحدنا، وهم يتصورون أننا نغادر بيروت نحو الاندثار والانهيار، لكن لن نندثر ولن ننهار، ولا أعتقد أن طريق القدس لن تمر بدمشق، لذلك أقول لأخى جورج «تعالَى معى أنا رايح اليونان ومن هناك أتوجه إلى أرض الله الواسعة»، لكن جورج رد عليه بأن القرار هو للمكتب السياسى، وهو قرّر الذهاب إلى دمشق، فرد: "حسنًا، إذا جئتكم مودعًا وسنلتقى حتمًا".
وقلنا في محاضرتنا أن ياسر عرفات الحائر أين سيكون مقر القيادة بعيدا عن نظام الأسد المختلف مع أبوعمار شديد الحساسية تجاه استقلال القرار الوطني الفلسطيني جاءته فكرة آنذاك باستئجار جزيرة يونانية تعيش فيها القيادة فى انتظار مقر آخر، وكما قال الأخ أبومازن مضيفًا في لقاء له:" إنها فكرة مجنونة وغير واقعية، ولم يتقبلها رئيس الوزراء اليونانى، وفى هذا الوقت (وهنا نقول نحن كانت النقطة الحاسمة وطوق النجاة) بالذات جاءتنا رسالة من الرئيس الحبيب بورقيبة، وكانت من شقين: الأول، صك بخمسة ملايين دولار مساعدة للفلسطينيين، والثانى، دعوة رسمية لكل القيادات الفلسطينية وكوادرها لكى تأتى إلى تونس إذا رغبت، وكان الأمر بمثابة نجاة".
إذن خرج الزعيم الخالد ياسر عرفات من لبنان بطوق نجاة تونسي، يرافقه ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين وأعضاء مكتبه ومكتب الإعلام الفلسطينى والحرس الخاص على متن السفينة اليونانية، وأبحرت فى حراسة وحدات بحرية أمريكية وفرنسية ويونانية الى تونس الخضراء.